بقلم: حسن السلطان
في عامٍ محموم بالأحداث، ووسط صراع دائم في الشرق الأوسط، جاء فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للواجهة مرة أخرى، رجل الأعمال الذي لطالما تردد اسمه كرمز للثروة والصفقات المالية، ليعيد بريق أطماعه نحو ثروات الخليج . فلا يمكن نكران أن لترامب مسيرة متشبثة بالبحث عن استثمارات وأرباح من دول المنطقة، وخاصة دول الخليج الغنية بالنفط. هذا النهج الذي لا يخفي فيه ترامب تبجّحه حول الأموال التي جلبها للخزانة الأمريكية من خلال علاقاته بالخليج أما بالترغيب أو الترهيب ، يتماشى مع ملفات اقتصادية وتجارية أو طرح مخاوف سياسية لا تمت للحقيقة بصلة من خلال نهجه في تحويل العلاقات الخارجية الأمريكية علاقات نفعية بحته . ولكن، تأتي رياح التغيير في منطقة الشرق الأوسط بما لا تشتهيه سفن ترامب وحلفائه.
الأحداث المتلاحقة التي سبقت المشهد الحالي بدأت بتنامي محور المقاومة في المنطقة، وتصاعد صراعات عسكرية في مناطق مختلفة تتجاوز مجرد صدامات تقليدية. ففي السابع من أكتوبر، أطلقت حركة “حماس” عملية “طوفان الأقصى”، في تحركٍ مفاجئ ومزلزل فتح فصلاً جديداً من الصراع الفلسطيني-مع الكيان الصهيوني، وأشعل أحداثاً متتالية امتدت تداعياتها إلى المنطقة، مما شكّل عبئًا على سياسات الولايات المتحدة. الصراع الذي تشهده غزة، وامتداد القتال إلى جنوب لبنان حزب الله وجيش الكيان ، خلق تغييرًا واضحًا في معادلة الردع بين الأطراف المتصارعة، وبدأت حسابات جديدة تُصاغ في الصراع الإقليمي.
التوتر المتزايد في الشرق الأوسط ليس مجرد تحدٍ لأمريكا، بل يهدد بإحداث تغييرات جذرية في موازين القوى في المنطقة. هذا الصراع المعقد تتداخل فيه مصالح دول كبرى، وأبرزها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني عسكرياً ورسيا والصين اقتصادياً، إلى جانب محور المقاومة الذي يضم الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وحزب الله لبنان، وأنصار الله في اليمن، وحماس في فلسطين، والمقاومة الإسلامية في العراق، وخصوصاً حركة النجباء. فمع تصاعد الهجمات من قبل هذه الأطراف ضد المستوطنات الصهيونية والردّ المتبادل، أصبح من الواضح أن محور المقاومة يكتسب زخماً أكبر رغم الخسائر، خاصة بعد استشهاد العديد من قياداته.
أما الجغرافيا السياسية التي تتواجد فيها هذه الحركات المقاومة، فهي تُحتّم على الولايات المتحدة والكيان الحذر من التصعيد المتسرع الذي قد يجرّ المنطقة بأسرها إلى حرب شاملة. في هذا السياق، يتضح أن التحالف الأمريكي-الصهيوني، رغم قوته العسكرية، في وضع صعب أمام قدرة محور المقاومة على إدارة هجمات منظمة ومتصاعدة. فالضربات النوعية التي وُجّهت مؤخراً إلى المستوطنات الصهيونية تعكس قدرة هذه الحركات على التنسيق والتحرك المنظم، حتى مع اغتيال عدد من قياداتها، مما يدلّ على استمرارية ومرونة هذه المقاومة.
وفي خضم هذا الصراع، لا يمكن تجاهل أن “دول الاستكبار العالمي” كالولايات المتحدة تستند إلى سياسة الحروب المحدودة التي تتيح لها مكاسب اقتصادية دون الغرق في مستنقعات حروب عالمية شاملة. وهذه السياسة تقف على النقيض تماماً مع توسّع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، حيث إن توسيع رقعة الصراع سيفرض على الولايات المتحدة حماية قواعدها العسكرية المنتشرة في الخليج والمنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تزايد الاستهداف لهذه القواعد من قبل محور المقاومة، ما قد يدفع إلى إشعال فتيل حرب مباشرة بين الأطراف.
في ظل هذا الوضع المتوتر، من المتوقع أن تشهد المنطقة سيناريوهات جديدة، قد تتجه نحو تهدئة التوترات عبر تدخلات سياسية من بعض القيادات الخليجية. هناك محاولات ملموسة قد تلوح في الأفق لنزع فتيل الأزمة الحالية عبر إيجاد حلول وساطة أو مفاوضات غير مباشرة بين الأطراف ، حيث تسعى بعض الدول الخليجية إلى الحفاظ على استقرار المنطقة، وتجنب تداعيات حرب شاملة قد تضر بمصالحها الاقتصادية.
السيناريو الأول:
المتوقع هو وساطة خليجية تتيح نوعاً من الهدنة غير الرسمية بين الكيان وحركات المقاومة ، عبر قناة دبلوماسية خليجية، ربما بإشراف دولي، وذلك لتجنب المزيد من التصعيد وللحفاظ على مصالح الطاقة العالمية في المنطقة. قد تتدخل دول مثل قطر أو الكويت أو حتى سلطنة عُمان في محاولات التوسط لتهدئة الأوضاع، حيث إن استقرار أسواق النفط والطاقة في الخليج يعد أولوية عالمية.
السيناريو الثاني :
هو استمرار محور المقاومة في الضغط عبر تكتيكات الحرب والرد المنظم وتَدْشين الهجمات المركزة، مع تجنّب الحرب الشاملة، وهو ما قد يؤدي إلى استنزاف جيش الكيان الصهيوني ، وإرهاق قاعدته الشعبية في الداخل . قد يتبنى محور المقاومة سياسة تكتيكية قائمة على إثبات قدرته على استنزاف الموارد للكيان دون الانجرار إلى حرب شاملة.
أما السيناريو الثالث، والأخطر، فهو حدوث مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة ومحور المقاومة، عبر استخدام الكيان الصهيوني قواعد أمريكية في الخليج، مما سيجعلها هدفاً لقوى المقاومة، وسيهدد باندلاع صراع أوسع بين الطرفين. وهذا السيناريو يُعتبر الأخطر على استقرار المنطقة، خاصة أن أية خطوة استفزازية تجاه هذه القواعد قد تدفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة إلى الرد العنيف، وربما باستهداف منشآت اقتصادية حيوية في الخليج.
في الختام، يبدو أن المنطقة تقف على أعتاب مرحلة حرجة، حيث إن أي قرار غير محسوب قد يقود إلى عواقب كارثية. ويظل الرهان على بعض القيادات الخليجية ومرشدها التي تلعب دورًا محوريًا في تجنيب المنطقة مغبة حرب شاملة، خاصة أن الولايات المتحدة، رغم تطلعاتها الاقتصادية والاستراتيجية، قد تجد نفسها مضطرة لتبني سياسة القبول في التعامل مع تعقيدات الشرق الأوسط، لتفادي صدام قد يخرج عن السيطرة ويعرّض مصالحها للخطر خوفاً من ضياع هيبتها وثرواتها الاقتصادية.
3 دقائق