مشروعا رابعة وفؤاد انطلقا معاً، مشروعان مختلفان لكن يجمعهما هدف واحد وهو إنقاذ بيئة خانقين من خلال رفع النفايات البلاستيكية وزيادة نسبة الخضرة.
يتم تكسير وطحن قرابة طنين من النفايات البلاستيكية يومياً في المعمل الذي يديره فؤاد رحمن، ومن ثم يتم التخلص منها بطمرها تحت الأرض أو حرقها.
حرق البلاستيك دفع رابعة عباس للتطوع وجمع التبرعات من أجل غرس أكثر من ألف نبتة وشجرة بهدف تقليل التأثيرات السلبية للأدخنة المتصاعدة.
نسبة الخضرة في خانقين تراجعت بنسبة تفوق الـ 4 بالمائة خلال السنوات الست الماضية، ما زاد من مخاطر التلوث البيئي في القضاء بسبب الأدخنة السامة المنبعثة جراء حرق النفايات التي تحوي يومياً أكثر من 50 طن من المواد البلاستيكية، بحسب رئيس بلدية خانقين.
عن طريق زراعة الأشجار نريد أن يستنشق سكان خانقين هواءً نقياً، وهدفنا الآخر هو مجابهة التصحر في المنطقة
“أحد الأهداف الرئيسية تتمثل بتقليل حجم النفايات البلاستيكية في الشوارع والأزقة حفاظاً على البيئة من التلوث”، يقول فؤاد رحمن.
المكب الرئيسي الخاص بجمع نفايات خانقين والذي يقدر بـ150 طن يومياً يتم حرق قسم منها، يبعد كيلومتراً واحداً فقط عن المناطق السكنية.
فيما يخص حملتها التطوعية، تقول رابعة “عن طريق زراعة الأشجار نريد أن يستنشق سكان خانقين هواءً نقياً، وهدفنا الآخر هو مجابهة التصحر في المنطقة”.
رابعة عباس، طبيبة سونار في سن الأربعين، تملك عيادة خاصة وتعمل يومين في الأسبوع بشكل تطوعي في أحد المستشفيات الحكومية، وهي ناشطة مدنية في خانقين تعمل منذ قرابة عامين على قضايا الاهتمام بالبيئة.
تعداد مركز قضاء خانقين والقرى المحيطة به يبلغ 135 ألف شخص، يعيش معظمهم في 36 حي. قضاء خانقين من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان وتقع شمال شرقي محافظة ديالى – 180 كم شمال بغداد- ويقطنه خليط من الكورد، العرب، التركمان، المسيحيين والكاكائيين.
المشروعان لا زالا في بدايتهما، اولى الخطوات العملية اتخذت في الربع الأول من هذا العام ولم تتضح نتائجهما حتى الآن لكن “آمالاً كبيرة” تعقد عليهما.
بيئة خالية من السموم
معمل لطحن النفايات البلاستيكية في خانقين أصبح نقطة بداية للتفكير في إنشاء وتطوير معامل لتدوير النفايات.
فؤاد رحمن (48 سنة)، أنشأ معمله في قرية “أمين بابير” شمالي خانقين قبل ستة أشهر، حيث خطرت لفؤاد وأحد أصدقائه فكرة المشروع بهدف توفير فرص عمل وتأمين مصدر للعيش، قبل أن تصبح حماية البيئة هدفاً رئيسياً للمشروع.
“قررنا إنشاء أو معمل لتكسير وطحن البلاستيك في خانقين، حيث كانت النفايات البلاستيكية تجمع وتنقل الى المدن الأخرى”، من أجل ذلك باع فؤاد سيارته واستثمر المال لتأسيس المعمل، في البداية سترى جهاز طحن البلاستيك.
في بداية المشروع لم تتجاوز كمية النفايات البلاستيكية التي تصل الى المعمل بضعة مئات من الكيلوغرامات نظراً لأن النفايات البلاستيكية لم تكن تفرز وتفصل عن أنواع النفايات الأخرى ، ثم قرروا تطوير المشروع وبدأوا بجمع كميات أكبر من البلاستيك بمساعدة العمال واشتروا أجهزة أخرى لطحن البلاستيك.
“الآن، أصبح الحفاظ على البيئة أحد أهداف عملنا ولا نريد أن تكون غايتنا الربح فقط”، بحسب فؤاد رحمن.
لنفايات التي تجمع يتم دفنها تحت الأرض، فميا يقوم البعض بحرق قسم منها للعثور على الحديد وبعض المواد الأخرى داخل النفايات
توجد بلديتان في خانقين، إحداها تابعة للحكومة الاتحادية والأخرى لحكومة اقليم كوردستان. البلديتان تجمعان يومياً حوالي 150 طن من النفايات من مركز قضاء خانقين والقرى المحيطة به، وفقاً لإحصائيات حصل عليها موقع (كركوك ناو) من البلديتين اللتين قدرتا نسبة البلاستيك فيها بحوالي 50 بالمائة.
سوران علي، مدير بلدية خانقين التابعة لحكومة الاقليم قال “لدينا عقد مع إحدى الشركات التي ترفع النفايات في المناطق المحددة لنا، نجمع يومياً قرابة 80 طن من النفايات، يشكل البلاستك 50 بالمائة منها”، ولفت الى أن الإحصائيات الخاصة بنسبة البلاستيك غير دقيقة بل مجرد تقديرات لأننا لا نملك أنظمة فرز النفايات.
رابعة عباس، ناشطة بيئية في خانقين، تقول ” يوماً بعد يوم، تصبح بيئة خانقين أكثر تلوثاً بسبب حرق النفايات وانبعاث الأدخنة السامة، حيث أن مكب النفايات الرئيسي قريب من الأحياء السكنية”.
وأوضحت بأن التوعية البيئية ساعدت على إطلاق حملة التشجير، “لأن جزءاً كبيراً من النفايات مواد بلاستيكية وتؤثر بصورة مباشرة على صحة الانسان”، وترى رابعة بأن من الضروري العمل على إبعاد مناطق جمع النفايات عن الأحياء السكنية.
النفايات البلاستيكية مضرة لصحة الانسان، تؤثر على التخصيب والنشاطات الهرمونية والدماغ، يؤدي حرقها الى تلوث الهواء، وذلك بحسب تحذيرات منظمة الأمم المتحدة التي كشفت إحصائياتها بأن أكثر من 400 مليون طن من المواد البلاستيكية تنتج سنوياً في العالم، وأن نصفها صالحة للاستخدام لمرة واحدة وأقل من 10 بالمائة منها يعاد استخدامها في صنع مستلزمات أخرى.
وقال مدير البلدية، “الناس يستخدمون البلاستيك على نطاق واسع، مثل عبوات المياه، الأطباق والأكواب البلاستيكية، أكياس النايلون والمستلزمات اليومية الأخرى اتي تستخدم لمرة واحدة فقط”، واشار سوران علي الى أن النفايات التي تجمع يتم دفنها تحت الأرض، فميا يقوم البعض بحرق قسم منها للعثور على الحديد وبعض المواد الأخرى داخل النفايات.
عدة أهداف بخطوة واحدة
يساعد معمل فؤاد رحمن فعلياً على تخليص بيئة خانقين من حوالي طنين من النفايات البلاستيكية يومياً.
“نطحن يومياً طنين من البلاستيك، ما يؤثر ايجاباً على بيئة مدينتنا، كما أن كمية البلاستيك التي ترمى يومياً قلت بحوالي طنين”، بحسب فؤاد.
مشروع فؤاد الى جانب دوره في حماية البيئة ساعد على تهيئة فرص العمل، “يعمل 20 شخص في معملنا الذي يحوي الآن على جهازين لطحن البلاستيك”.
يقول فؤاد أ العمال يبحثون منذ الصباح الباكر حتى المساء عن النفايات البلاستيكية في الأزقة والأحياء ومكبات النفايات، وأنه يشتري الكيلوغرام الواحد بمبلغ يتراوح بين 150 الى 300 دينار، وهذا السعر يتفاوت حسب نوعية البلاستيك، وبعد طحنها يتم بيعها اسبوعياً للتجار ومعامل انتاج المعدات البلاستيكية في خانقين والمحافظات الأخرى.
العديد من العمال الآخرين يجمعون النفايات البلاستيكية للمعمل من مناطق مختلفة بخانقين.
شيرزاد آغا مراد، أحد العمال الذين يجمعون النفايات من المكب الرئيسي للنفايات في خانقين وينقلها الى معمل فؤاد، يقول شيرزاد، “يومياً، يجمع 10 الى 15 عامل هنا النفايات البلاستيكية ويبيعونها لمعمل طحن البلاستيك، يمثل هذا العمل مصدر رزقنا الذي نكسب منه 15 الى 20 ألف دينار في اليوم”.
تسعى منظمة الأمم المتحدة لخفض نسبة التلوث بالبلاستك في العالم بنسبة 80 بالمائة من خلال ثلاث سبل وإجراء تغييرات في السوق.
أولها إعادة استخدام بعض المستلزمات، مثل قناني المياه، الطريقة الثانية إعادة تدوير المواد في المصانع كالمصنع الذي يديره فؤاد رحمن لكي يعاد استعمال المواد البلاستيكية في صنع بعض المستلزمات، الطريقة الثالثة تتمثل بإجراء تغييرات في المواد الصناعية، على سبيل المثال يمكن استخدام النايلون أو الورق أو أي مادة أخرى قابلة للتحلل بدلاً من البلاستيك.
مضار البلاستيك هي نفسها التي دفعت رابعة عباس لزراعة ألف شجرة ونبتة خلال هذا العام بالتنسيق مع مجموعات تعاونية وناشطي البيئة، بعد جمع التبرعات لشراء النبتات.
“شعرنا بخطورة التغيرات المناخية، لذا زرعنا أشجاراً في الأماكن العامة والأحياء لنؤمن هواءً نقياً لسكان مدينتنا”، وتضيف رابعة، “هذه الحملة ستستمر لكي نجابه تأثيرات التغيرات المناخية والتصحر ولزيادة نسبة الخضرة، لأن خانقين تضم عشرات البساتين”.
يوجد في خانقين حوالي ألفين وخمسمائة ألف دونم من البساتين، أغلبها بساتين نخيل.
عامر حيدر، من سكنة حي بختياري -أحد أحياء خانقين الشعبية-، قال “قبل حملة التشجير كانت نسبة الخضرة في حينا قليلة، لكنه الآن يحوي على العديد من الأشجار، وسكان الحي أصبح لديهم وعي أكبر حول أهمية زراعة الأشجار والنباتات، فنراهم يبادرون، ويعود الفضل في ذلك لجهود الدكتورة رابعة”.
وفقاً للمعايير العالمية، يجب أن لا تقل نسبة الخضرة عن 15 بالمائة.
واشار مدير بلدية خانقين الى أن نسبة الخضرة قلّت في خانقين، “لغاية عام 2017، كانت نسبة الخضرة 17.2 بالمائة، لكنها الآن تراجعت الى حوالي 13 بالمائة بسبب تعرض البساتين للتجريف”، دون الخوض في تفاصيل أكثر. ويقول سوران علي أن البلدية تسعى لتغيير موقع مكب النفايات الرئيسي لكن الأمر يحتاج الى الوقت واتخاذ القرار، لذا يتطلعون على المدى القصير الى أن تتولى الشرطة مراقبة المكب ومنع المواطنين من حرق النفايات وتصاعد الأدخنة السامة في سماء خانقين.
مصدر في شعبة البيئة بخانقين –طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح- قال “هناك نسبة كبيرة من النفايات البلاستيكية والتي أثرت كثيراً على نظافة البيئة لأنها تحتاج وقتاً طويلاً لكي تتحلل في التربة، لذا سنقدم التسهيلات لأي شخص ينوي إنشاء معامل لطحن البلاستيك وتدوير النفايات البلاستيكية، أو أي مشروع آخر مفيد للبيئة”.
ولفت المصدر الى أن شعبة البيئة تسعى لإغلاق موقع مكب النفايات الرئيسي ونقله الى مكان آخر، لكن التنفيذ تأخر بسبب الظروف الأمنية، دون أن يوضح المصدر المزيد عن الأسباب.
حماية البيئة تتطلب امكانيات أكبر
حملات التشجير، هي الخطوة الأولى وينبغي بعدها الاعتناء بالأشجار وسقيها، وربما هذا ألأمر ليس ضمن حدود امكانيات رابعة عباس وزملائها المتطوعين.
المشكلة الأخرى تتمثل بقلة مصادر المياه بسبب تداعيات التغير المناخي. وفقاً لإحصائيات وتحذيرات الأمم المتحدة، يأتي العراق في المركز الخامس بين البلدان الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية والتي تشمل مخاطر شح المياه، الجفاف، ارتفاع درجات الحرارة والتلوث وكوارث طبيعية أخرى.
إذا توفر الدعم يمكنني توسيع نطاق عملي ورفع أكثر من 10 أطنان من النفايات البلاستيكية يومياً، هذه إحدى طموحاتي التي أعمل على تحقيقها
“يجب أن يكون هناك دعم من أجل زيادة نسبة الخضرة وتوسيع هذه الحملة”، بحسب رابعة.
تنشب سنوياً العديد من الحرائق في بساتين خانقين، يشتبه أن تكون بعضها متعمدة من أجل بناء وحدات سكنية أو تجارية على الأراضي الزراعية.
نفس المشاكل التي تواجه حملة التشجير تعترض طريق فؤاد رحمن، لأن تقليل نسبة النفايات البلاستيكية يفوق امكانيات المعمل الذي يديره، فهو يحتاج الى مزيد من الأياد العاملة والمعدات والطاقة الكهربائية التي باتت مشكلة تواجه معظم محافظات العراق.
يفكر فؤاد في إنشاء معمل لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية واستخدامها لتصنيع مستلزمات أخرى، لكن العراقيل ليست قليلة، “في السابق كنا نصدر البلاستيك المطحون لكن هذا الآن محظور لذا سنتكبد خسائر، لأننا سعره أقل محلياً”.
ما يقلق بال فؤاد رحمن أكثر هو غياب الدعم من الحكومة والمنظمات، “إذا توفر الدعم يمكنني توسيع نطاق عملي ورفع أكثر من 10 أطنان من النفايات البلاستيكية يومياً، هذه إحدى طموحاتي التي أعمل على تحقيقها”.
تم إنتاج هذا التقرير في اطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز.