كتاب الخطى

صباح مشرق في سەرگەڵو

بلقيس خيري شاكر البرزنجي
محافظة السليمانية أقليم كوردستان العراق.
في صباح يوم مشرق، فتحت هەنار عينيها العسليتين مع أول شعاع نور يدخل من نافذة الغرفة، كأن الشمس التي أشرقت خلف الجبال الشامخة كانت تناديها لتستيقظ وتستقبل يومًا جديدًا مليئًا بالأمل والسعادة. ابتسمت شفتيها الورديتان لليوم الجديد وللشعاع الذي أشرق لهذا الصباح في قريتها سركلو (سەرگەڵو). دلكت عينيها بأصابعها الرقيقة ونهضت بخفة ورشاقة، حركت أصابعها حول خصال شعرها الذهبية وبإتقان محكم رتبت ضفيرتين تلائمان وجهها القمري.
كانت هەنار جميلة كجمال إسمها الكوردي والذي يعني الرمان. أسرعت هەنار بالنهوض من سريرها وارتدت زيها الكوردي، كان مزيجًا بين اللون البنفسجي والأصفر تناسق ألوان زيها كألوان الربيع في قريتها، مطرزًا ومزخرفًا بالزهور والخيوط اللامعة. بدت كزهرة الربيع وهي ترتدي زيًا يعكس تراث وثقافة قومها.
ذهبت هەنار اتجاه المزرعة حيث كانت الدجاجات ترفرف بأجنحتها وتبعث أصوات الصباح المنعش والهواء النقي في القرية الكوردية سركلو يملأ رئتيها أنعاشًا. بدأت تجمع ما باضتها لهم الدجاجة وهي تتأمل في جمال الطبيعة من حولها فقريتها غنية بالبساتين والحقول والمياه العذبة.
أخذت هەنار وعاء الحليب ومسحت بيديها الرقيقتين على رأس البقرة، التي كانت تنظر إليها بعينين لطيفتين . جلست هەنار تغني بحنجرتها الجبلية المميزة أغنية كوردية تقليدية (نارینێ هەی ناری) صوت جميل ملأ أرجاء القرية داعب الزهور وجعلها ترقص، طربت البلابل والعصافير لصوتها فحطت عندها وبدأت تغرد معها كأنها كانت تعزف سيمفونية كوردية رائعة في القرية.
ذهبت لترتيب مائدة الصباح لوالدها سالار ووالدتها گوڵستان، حيث كانت رائحة (کەلانە) الخبز الكوردي الطازج الذي تعده أمها من العجين وتضع داخله اوراق البصل الاخضر المثروم ثم تضعه علی الصاج _الاداة البسيط الذي توضع علی ثلاث احجار بمثابة الارجل ثم توضع تحته الحطب_ لعمل الخبز بانواعه ،  تفوح رائحة الخبز في أرجاء المكان والشاي يغلي على النار . وضعت البيض المسلوق والحليب الطازج الساخن، وجمعت انواع الزهور الملونة من سفح وادي جافايَتي ووضعتها حول المائدة.
رائحة الشاي العطرة امتزجت بجميع العطور معًا، فملأت المكان بأريج لطيف. عينان لها بريق يلمع، أحضرت أمها گوڵستان الخبز  وقالت «بەیانی باش کچە جوانەکەم » صباح الخير أبنتي الجميلة: “أذهبي ونادي والدك لقد ذهب يقطع الحطب منذ الفجر…”.جرت هەنار بسرعة وصعدت على سفح الجبل تنادي والدها (بەیانی باش باوکە) صباح الخير يا أبي.. الأب سالار ذو الملامح الكوردية الأصيلة كان يجمع الحطب ويجعله مجموعتين ويضعه على ظهر الدابة ليضعه في مخزن المنزل. أعانت هەنار والدها للوصول إلى البيت.ابتسامة على وجهها “دایه گوڵستان” جعلت صباحها المشرق عيدًا لها ونظرات والدها سالار الحنون وهو يقول في داخله: “أتمنى أن أراك مصدر سعادتي الدائم يا ابنتي الوحيدة”. يتناول الأب والأم الفطور بسعادة والابتسامة على وجههم، وابنتهم هەنار تجلس بينهم، فتشعر بدفء والداها وحبهم لها دفء العائلة والعمل بنشاط في قريتها سەرکلو والشمس الحنونة أثمن الأشياء بالنسبة لها، فهي تشعر بالسعادة والرضا في وجودهم. شاهدت هەنار من بعيد أحد ما يقترب من منزلهم، إنها “پورێ بەهار” العمة بهار. بعينيها الناعستين وخديها الممتلئتين ابتسامة رقيقة على وجهها ترتدي الزي الكوردي وتضع على كتفها (چارۆك) تمشي بإجهاد وتعب وتحمل بين يديها الكثير من الأغراض، فبدت كالأم التي تأتي بكل الحب والاهتمام لأبنائها.أسرعت هەنار اتجاه الباب، بدأت تجري كالأطفال اتجاه عمتها قبلتها واحتضنتها وبثت لها أشواقها. أعانتها بحمل الأكياس دخلوا معًا للمنزل، حيث كانت رائحة النرجس التي جمعتها هەنار من سفح الجبل تملأ البيت عبيرًا والابتسامات تملأ الوجوه.بدأت هەنار بمناداة أبيها: باوکە باوکە “أبي، أبي، لدينا ضيفة لهذا اليوم”. الأب سالار: “من القادم يا ابنتي؟” “إنها -ميمی بەهار- يا أبي”. العمة بدموع الشوق تحتضن أخيها الذي لم تره منذ سنوات الأب سالار وهو یقول ” خوشکە بیرت ئەکەین ” اشتقنا لك يا أختی”.جلس الجميع معًا والسعادة والمحبة تملأهم وأعدت لهم هەنار مائدة الضيافة الكوردية التي تتكون من الأطباق الفلكلورية من العسل الجبلي والجوز والشاي الكوردي والخبز الحار ، العمة الحنونة قالت: “لم أتناول ألذ من هذا الفطور يا ابنة أخي، لقد أعدته بيديك، وهذا يعني أنه مليء بالحب والاهتمام”. هەنار بابتسامة خجولة قالت: “هذا من لطفك يا عمتي، أنا سعيدة لأنكِ استمتعتِ به”.العمة بەهار أخرجت من حقيبتها قلادة (مێخەک)مصنوعة من القرنفل مطعم بالفيروز والمرجان، قالت: “لقد أحضرت لكِ هذه الهدية الكوردية التراثية أتمنى أن تعجبك”. وأخرجت العمة بەهار أيضا زي كوردي من الكيس خاطته لها بيديها الحنونة، أحمر اللون وعليه زهور صفراء، أحمرت خديها والابتسامة لم تفارق شفتيها فبدت أصالتها وجمالها الكوردي يبرز في تراث زيها وقلادتها.كانت كالزهرة النرجس تتألق بين الجبال، فهي ابنة هذا الجبل والشمس والخضرة والماء والوجه الحسن وجمال روحها يزيد وجهها جمالًا. انبهر الأب سالار والعمة بەهار والأم گوڵستان بجمالها وقالوا بصوت واحد ( کە جوانه)جدا جميلة وقالت العمة: “أنتِ تستحقين يا ابنة أخي، فلديك أجمل شيء بالحياة، أجمل من الزهور والعصافير، هي روحك التي تشع نورًا وتجعلنا مطمئنين دومًا”.جلس الجميع معًا، والسعادة تملأ قلوبهم، والابتسامات على وجوههم. كان اللقاء مليئًا بالحب وكانت هەنار تشعر بسعادة كبيرة، لأنها كانت محاطة بأشخاص تحبهم، ويحبونها.مع انتهاء اللقاء، ووداع العمة بەهار، شعر الجميع بالحزن . وخرجت العمة بەهار من المنزل، وهي تبتسم وتشعر بالسعادة، لأنها قضت وقتًا جميلًا مع أسرتها. وبقيت هەنار تفكر في اللقاء الجميل، وتشعر بالامتنان لوجود عائلة تحتويها وأرض كوردستان العريقة التي تنتمي لها…كانت تشعر بالفخر بتراثها وثقافتها، وتعرف أنها محظوظة لوجود عائلة تحبها وتدعمها.

Alkhutaa News

وكالة عراقية إخبارية مستقلة شاملة مملوكة إلى «مؤسسة الخطى للثقافة والإعلام» غير التجارية. معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1933

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى