بقلم: نجوان حكمت
مقدمة
لطالما دار الصراع بين إيران وإسرائيل خلف الستار، واتخذ أشكالًا غير تقليدية، تراوحت بين الاغتيالات الغامضة، والهجمات السيبرانية، ودعم الجماعات المسلحة في مناطق النفوذ المتنازع عليها. غير أن التحولات الإقليمية والدولية، وتصاعد التوترات العسكرية، أدّت إلى انكشاف أوراق هذا الصراع، وخروجه شيئًا فشيئًا إلى العلن، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة قد لا تُبقي ولا تذر.
الانتقال من الخفاء إلى المواجهة المباشرة
شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من الضربات المتبادلة، بعضها نُفّذ عبر طائرات مسيّرة، وأخرى عبر عمليات دقيقة في عمق الأراضي، ما يشير إلى تغير نوعي في قواعد الاشتباك. لم تعد إسرائيل تكتفي بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا فحسب، بل باتت تضرب في العمق الإيراني أحيانًا، في حين تردّ طهران عبر أدواتها الإقليمية أو بشكل مباشر، ما يعكس تحوّل الصراع إلى مرحلة أكثر علنية وخطورة.
حسابات الردع والمخاطر المفتوحة
يرى المراقبون أنّ كلاً من إيران وإسرائيل يسعى إلى فرض معادلة ردع جديدة. إيران، بما تمتلكه من أدوات ضغط إقليمية كحزب الله والحوثيين، تسعى لإيصال رسالة بأنها ليست لقمة سائغة. في المقابل، تؤكّد إسرائيل من خلال ضرباتها أنّها مستعدة للمخاطرة طالما أنّ أمنها القومي مهدّد. هذه الحسابات المتبادلة، وإن كانت تهدف إلى منع الحرب، إلا أنها في ذات الوقت تُقرّب المنطقة من شفيرها.
موقف القوى الدولية: دعم وتحفظ
رغم أنّ الولايات المتحدة تُعد الحليف الأقرب لإسرائيل، إلا أنّها في كثير من الأحيان تُبدي تحفظًا تجاه بعض العمليات التي قد تشعل المنطقة. من جانبها، تراقب روسيا والصين عن كثب التطورات، لا سيما في ظل ما تحمله من مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط. هذا التوازن الدولي، وإن كان يمنح هامشًا للتهدئة، إلا أنّه لا يضمن منع الانفجار إذا تجاوز أحد الأطراف الخطوط الحمراء.
الارتدادات الإقليمية: العراق في قلب العاصفة
لا يمكن إغفال التأثيرات المحتملة لهذا الصراع على دول الجوار، وفي مقدمتها العراق، الذي قد يتحول مرة أخرى إلى ساحة لتصفية الحسابات. فوجود فصائل مسلّحة متحالفة مع إيران على الأراضي العراقية، يجعل من بغداد طرفًا غير مباشر في هذا النزاع، ما يُلزم الساسة العراقيين بانتهاج سياسة توازن دقيق وحذر شديد.
تدخل باكستان النووي إلى جانب إيران: سيناريوهات وتداعيات
في ظل التصعيد المتفاقم بين إيران وإسرائيل، تثار تساؤلات مقلقة حول احتمال تدخل باكستان، الحاملة للسلاح النووي، لدعم إيران عبر خيار الضربة النووية، وهو ما يفتح آفاقاً مظلمة على مستقبل المنطقة وأمنها. فوجود باكستان كسلاح نووي يجعل من أي مواجهة محتملة بين الطرفين أرجح أن تتخذ بعدًا كارثيًا غير مسبوق.
لو تحققت هذه الفرضية، فإن استعمال الأسلحة النووية إلى جانب إيران سيحدث تغييرًا جذريًا في ميزان القوى الإقليمي والدولي، وسيُقلب موازين الردع إلى حافة الانهيار، مما قد يدفع إسرائيل أو القوى الكبرى إلى ردود فعل عسكرية أو دبلوماسية حاسمة لتفادي الانزلاق نحو حرب شاملة.
كما أن مثل هذا التدخل النووي قد يطلق شرارة سباق تسلح نووي جديد في الشرق الأوسط، حيث تسعى دول أخرى إلى تأمين قدراتها الدفاعية النووية، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويهدد الاستقرار العالمي.
إلى جانب ذلك، فإن توظيف باكستان للسلاح النووي في هذا الصراع يُعرّضها لمخاطر كبيرة، سواء عبر الانتقام العسكري أو الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية، وهو ما قد يُضعف وضعها الداخلي ويعرضها لمخاطر أمنية جمة.
في المحصلة، فإن احتمالية تدخل باكستان النووي إلى جانب إيران، رغم جدّية التهديدات التي تحملها، تبقى في غاية الخطورة، وتستلزم من المجتمع الدولي العمل الفوري لمنع أي تصعيد نووي يهدد البشرية جمعاء.
رأيي الشخصي: إيران في موقع الانتصار
أرى أن إيران اليوم تتموضع بقوة على ساحة الصراع مع إسرائيل، ليس فقط من خلال قوتها العسكرية المتنامية، بل عبر استراتيجيتها الدقيقة في إدارة المواجهة ضمن “صراع الظل” الذي طالما كانت تبرع فيه. التصعيد الأخير، رغم خطورته، يُظهر قدرة إيران على فرض قواعد جديدة للعبة، ما يجعلها تسيطر على زمام المبادرة في كثير من الأحيان.
إيران لا تعتمد فقط على المواجهة المباشرة، بل تملك شبكة إقليمية من الحلفاء والأذرع العسكرية التي تضاعف من قوتها وتوسع دائرة نفوذها. وهذا يربك إسرائيل التي تجد نفسها محاصرة على عدة جبهات، سواء في الداخل أو المحيط الإقليمي.
من وجهة نظري، إيران تحقق انتصارًا استراتيجياً يتجاوز مجرد الانتصار العسكري، فهو انتصار في لعبة النفوذ والردع الإقليمي، إذ تُثبت أنها ليست دولة يمكن تجاوزها بسهولة أو إخضاعها للضغوط فقط. وهذا الانتصار يبعث رسالة واضحة بأنّ إرادة إيران وعزمها لن تنكسر مهما بلغت التحديات.
مع ذلك، يبقى هذا الانتصار هشاً إذا لم يُدعم بحكمة سياسية وفتح آفاق للحوار تضمن استقرار المنطقة على المدى الطويل
خاتمة
إنّ خروج صراع إيران وإسرائيل من الظل إلى العلن لا يبشّر بخير، بل يضع المنطقة برمتها أمام احتمالات مفتوحة تتراوح بين التصعيد الخطر والتهدئة المؤقتة. وإذا ما فشلت الأطراف الفاعلة في احتواء الموقف، فإنّ الشرق الأوسط سيكون على موعد مع مرحلة جديدة من الفوضى، قد تكون أخطر من كل ما سبق.
0 0 3 دقائق