كتاب الخطى

الملكة أروى بنت أحمد الصليحي: السيدة الحرة وسلطانة اليمن


بقلم: نجوان حكمت
مقدمة

لم يكن التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى بمعزل عن بصمات النساء المؤثّرات في مسار الحكم والدين والسياسة، ومن بين أبرزهنّ تبرز شخصية الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، التي حكمت اليمن نحو خمسة عقود في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، فشكّلت ظاهرة سياسية فريدة في ظل الدولة الفاطمية، وخلّدت ذكراها كواحدة من أعظم نساء الإسلام والشرق.

النسب والنشأة

وُلِدت أروى في عام 442هـ (حوالي 1050م) في منطقة حِراز الواقعة ضمن جبال اليمن الغربية، لأسرة تعود أصولها إلى القبائل اليمانية العريقة. كان والدها أحمد بن محمد الصليحي أحد رجال الدعوة الإسماعيلية في اليمن، وهو ابن عم علي بن محمد الصليحي، مؤسس الدولة الصليحية. بعد وفاة والدها في صراع قبلي وهي لا تزال في سن الطفولة، انتقلت مع والدتها إلى قصر علي بن محمد الصليحي في صنعاء، حيث كفلتها زوجته أسماء بنت شهاب، وهي بدورها امرأة ذات ثقافة عالية ومكانة كبيرة في الدولة.

تلقّت أروى تعليمًا دينيًّا وأدبيًّا راقيًا، حيث أُتقنت اللغة العربية والفقه الإسماعيلي والبلاغة والتفسير، مما مهّد لها طريق القيادة في وقت لم يكن مألوفًا أن تتولى المرأة هذا النوع من الأدوار.

الزواج والمشاركة في الحكم

في عام 458هـ (1065م)، زُوّجت أروى لولي العهد المكرم أحمد بن علي الصليحي، واستقرّت معه في مدينة جبلة، التي تحوّلت لاحقًا إلى عاصمة للدولة الصليحية. وبالرغم من أن المكرم كان الحاكم الاسمي، فإن أروى كانت شريكته في إدارة الحكم، خاصة بعد إصابته بالشلل في أواخر حياته، مما أدى إلى تفويضها بالسلطة الفعلية.

بعد وفاة زوجها عام 481هـ (1089م)، استمرت أروى في الحكم بوصفها وصيّة على ولدها علي بن المكرم، ولكنها سرعان ما تحوّلت إلى الحاكمة المطلقة، بعد وفاة ابنها وأخوته في سن الطفولة. ورغم محاولة الدولة الفاطمية فرض وصيّ عليها عبر تزويجها من سبأ بن أحمد، فإن الزواج بقي شكليًّا، واحتفظت أروى بكامل صلاحياتها.

السلطة المطلقة وعلاقتها بالفاطميين

تُعدّ أروى أول امرأة في التاريخ الإسلامي تلقى خطبة الجمعة باسمها في المساجد، وقد منحها الخليفة الفاطمي المستنصر بالله لقب “السيدة الحرة”، وأحيانًا “الحجّة”، وهو لقب ديني إسماعيلي رفيع، ما يدل على مكانتها الروحية والسياسية.

طوّرت أروى علاقة دبلوماسية متينة مع الدولة الفاطمية، كما دعمت الدعوة الإسماعيلية في الهند (غُجرات على وجه الخصوص)، وأرسلت الدعاة إلى مختلف أقاليم الجزيرة العربية. وفي عهدها ازدهرت الدولة الصليحية سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا.


الحياة الثقافية والعمرانية في عهدها

كان عهد الملكة أروى زاهرًا من الناحية العمرانية والثقافية؛ فقد جعلت من مدينة جبلة عاصمة للدولة، وبنت فيها الجامع الكبير، وهو من أبرز المعالم الإسلامية التي بقيت حتى اليوم. كما أنشأت المدارس والمراكز الفقهية، ورعت الشعراء والعلماء، ما جعل بلاطها مركز إشعاع فكري في اليمن.

وفاتها وإرثها

تُوفيت الملكة أروى في عام 532هـ (1138م)، ودُفنت في قصرها بمدينة جبلة، حيث ما تزال قبتها شاهدة على مجدها. بعد وفاتها، شهدت الدولة الصليحية انحدارًا تدريجيًّا، ما يدل على دورها المحوري في تثبيت أركان الحكم.

الخاتمة

إن سيرة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي لا تُعدّ مجرد فصل في تاريخ اليمن أو الدولة الصليحية، بل هي نموذج مُبكّر لقيادة نسوية واعية، جمعت بين الحكمة السياسية، والدراية الدينية، والرؤية الحضارية. وتُعدّ تجربتها إحدى العلامات المضيئة في التاريخ الإسلامي الوسيط، تستحق أن يُعاد إحياؤها في الذاكرة الجماعية المعاصرة.

مصادر ومراجع :.
•إسماعيل الأكوع، الدولة الصليحية في اليمن
•عبد الله الحبشي، الملكة أروى: دراسة تاريخية
•حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية

Alkhutaa News

وكالة عراقية إخبارية مستقلة شاملة مملوكة إلى «مؤسسة الخطى للثقافة والإعلام» غير التجارية. معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1933

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى