بقلم: بلقيس خيري شاكر البرزنجي
في ظلمات الليل العميقة، حيث الظلال تتشابك والهدوء يخيم على الكون، الجميع يقبع في النوم براحة وسكون، إلا أنا وذاكرتي التي لا تدعني ولا شأني. لا أستطيع فهم فلسفة تكوين ذاتي، لأنني لا أزال أذكر تلك الفتاة المؤذية التي دخلت حياتي منذ أن كنت في الصف الأول من المتوسطة. كانت كأفعى كوبرا ترتدي قناع الرفيقة المحبة، تتودد إلي وتظهر الإعجاب بي وبنشاطي الدراسي الذي كان يفوق عليها. سرعان ما سحبت البساط مني وأخذت مقعدي، تاركة وراءها أثرًا من الألم والخيبة.
أنهيت دراستي الجامعية، ولا أزال أذكر هذه الزميلة التي لا تنسى بسبب سوء طباعها. تركت جرحًا في داخلي لا يدمل، تزورني في منامي أراها بضحكتها السخيفة وحركاتها التي تثير اشمئزازي. اللعنة على هذه الصداقات التي تمر في حياتك، تدمرك وتجعلك كهشيم متناثر ثم تتركك أسير لذكريات بائسة.
تطاردني نظرات زميلاتي وهم يرون أحد مدرسات اللغة العربية توبخني، لست لأنني مقصرة! بل إن الحظ كان على العكس معي بعد أن دخلت تلك الصديقة البائسة حياتي، قلبتها رأسًا على عقب. سحبت مني صديقتي المقربة وتفوقت علية دراسيًا بعد أن كانت أقل مني، أصبحت أفضل مني بأسلوب خبيث ومبطن. أخذت مني طريقتي في الدراسة وهربت من حياتي، تاركة خلفها سوء حفظها الذي رمته علي.
حتى تلك الأستاذة التي تحبني ابتعدت عن النظر إلي وصوبت اهتمامها اتجاه تلك الرفيقة التي سرقت مني كل شيء. ماذا أسمي ما مررت به؟ ولماذا لا أزال أذكره؟ هل هو لعنة صديقات المدرسة؟
حتى صديقتي التي كانت تحبني أصبحت تتشاجر معي على كل شيء وابتعدت عني. أصبح لدي فتور مع جميع من كان اسمه صديقتي. لا أزال أرى أنها هي السبب، فلعنتها حلت علي وكانت وابلًا وسلسلة من سوء الحظ الذي أصابني.
ليتني لم أدعها تدخل حياتي، ولا أن تأخذ طريقتي في الدراسة. ليتني صددتها منذ المرة الأولى. أحببتها بصدق واعتبرتها أختًا لي، لكنها ادارت ظهرها وقلبت معاملتها من المحبة إلى الباغضة، من اللسان المعسول إلى المسموم.
لماذا لا تزالين عالقة في ذاكرتي؟ في منامي تأتين عليه في الكوابيس. البارحة وأنا نائمة رأيتك في المنام تقذفين كلامًا جارحًا علي. برغم أني لم أراك منذ عشر سنوات، لكن لماذا كل هذا؟ لماذا يطاردني خيالك يخنقني ويعذبني؟
هل تعلمين؟ لا أعلم إن كنت ستقرأين ما كتبت عنك يومًا ما! لكن ما أعلمه وهو علم اليقين أن الدنيا ستدور والاحداث ستتبدل والموازين ستنقلب. وستأتي بك الحياة ذات يوم إلى باب بيتي راغمة عنك، وستقولين لي: “مرحبًا صديقتي بلقيس، أود منك المساعدة”. هل تعلمين؟ لن أتردد لحظة حينها في مد يدي اليك، لأنني هكذا دومًا ناصعة البياض، حتى مع من أشد من آذاني.
0 103 2 دقائق