كتاب الخطى

لن تغتال الحقيقة هذه المرة

بقلم: هيفاء التميمي
مُنذ سنوات ونحن نسعى إلى الوصول لقانون يحمي النساء من ظلم واضطهاد مجتمع مريض مُعاق، إلا أننا اليوم نجد أنفسنا أمام مأساة أكبر: أصبحنا بحاجة إلى قانون يحمي المرأة من أقرب الناس إليها، من عائلتها نفسها!
لو نعود إلى أرشيف الأخبار، سنجد مئات القصص لنساء وفتيات عراقيات قتلن على يد آبائهن أو إخوتهم أو أزواجهم، وكل ذلك يُبرَّر تحت مسمى “غسل العار” أو “الشرف”. في كثير من الحالات، يتم قتل الضحية بدم بارد، ثم تُسجل القضية “انتحار” أو “حادث عرضي”، لينجو القاتل بفعلته، وكأن حياة المرأة لا تساوي شيئًا أمام أعراف وعادات متجذرة في العقول.

في العراق، لا يزال قانون العقوبات يتضمن ثغرات تسمح للجاني بالإفلات من العقوبة أو الحصول على أحكام مخففة في حال كان القتل بذريعة الشرف. هذه الثغرات القانونية فتحت الباب على مصراعيه أمام المزيد من الجرائم، حتى أصبحت حياة المرأة مرهونة بمزاج شخص أو غضب لحظة.

قصص الضحايا لا تنتهي: فتاة في مقتبل العمر تُقتل لأنها رفضت الزواج من شخص اختاره أهلها، وأخرى تُدفن حيّة لأنها أرسلت رسالة هاتفية، وأم تُصفع وتُهان وتُطرد من بيتها مع أطفالها فقط لأنها طالبت بحقوقها. وهناك من تُحرق أو تُذبح أو تُرمى من الطابق الأعلى، وكل ذلك يحدث في ظل صمت رسمي ومجتمعي يقتل الضحية مرتين؛ مرة بالجريمة ومرة بالتبرير.

الاضطهاد لا يقتصر على القتل فقط، بل يبدأ منذ الطفولة: حرمان من التعليم، تزويج قاصرات، ضرب وإهانة، عزل عن المجتمع، منع من أبسط الحقوق. كل ذلك يخلق دائرة مغلقة من العنف تستمر جيلاً بعد جيل. وعندما تطالب المرأة بالأمان، يتم اتهامها بأنها ضد الدين أو ضد العادات، وكأن المطالبة بالحياة جريمة.

إلى متى تبقى دماء النساء أرخص من صوت القوانين؟ إلى متى نظل نرى القاتل حراً طليقاً، والضحية مدفونة في صمت؟
ما نطلبه ليس ترفاً ولا مطلباً مستحيلاً، بل أبسط حقوقنا الإنسانية: الأمان. نريد تشريعًا صارمًا، واضحًا، يجرّم أي اعتداء على المرأة، ويلغي كل الأعذار التي تبرر القتل أو العنف ضدها، ويحاسب الجناة مهما كانت صلة قرابتهم بالضحية.

حماية المرأة ليست مسألة شخصية أو شأن عائلي، بل قضية مجتمع ووطن، ومن يتقاعس عن سن القوانين وتنفيذها، فهو شريك في كل دم يُسفك وكل حياة تُزهق
ولعل مأساة الدكتورة بان تكشف حجم الكارثة التي نعيشها؛ طبيبة ناجحة، شابة في عز عطائها، أُزهقت روحها على يد من كان من المفترض أن يكونوا ملاذها الآمن — عائلتها. لكن كحال الكثير من الضحايا، تم التلاعب بالقصة وتسجيل الجريمة على أنها “انتحار” لتضيع الحقيقة بين الصمت والخوف.
بان لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة ما لم يتحرك القانون والمجتمع معاً لوضع حد لهذه الجرائم. كم بان يجب أن تُقتل حتى ندرك أن حياة النساء ليست مسألة شرف مزيف، بل حق مقدس يجب حمايته ؟

أصواتنا لن تنخفض، وأقلامنا لن تتوقف، وحروفنا ستبقى تفضح كل جريمة، وتكشف كل كذب، وتكسر جدار الصمت الذي يحاولون إحاطتنا به. قد يظنون أن الخوف سيكسرنا، لكن الحقيقة أقوى، وصرختنا أبقى، والعدالة هدفنا الذي لن نتراجع عنه مهما طال الطريق .

Alkhutaa News

وكالة عراقية إخبارية مستقلة شاملة مملوكة إلى «مؤسسة الخطى للثقافة والإعلام» غير التجارية. معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1933

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى