الشأن البصري

منظمة دولية ترصد كفاح العراقيين من أجل المياه في “فينيسيا الشرق”

سلطت منظمة “العمل ضد الجوع” الإنسانية الضوء على الوضع المائي الذي آلت إليه حال مدينة البصرة أقصى جنوبي العراق، حيث أصبحت المياه سلعة نادرة في البلاد عموما.
إلا أن المزارعين في هذه المدينة التي كانت توصف في الماضي بأنها بمثابة مدينة البندقية (فينيسيا الشرق الأوسط)، هم من بين الأكثر تضررا. 
ووصفت المنظمة التي تتخذ من فرنسا مقرا لها، البصرة بانها تقع على تقاطع الطرق بين ايران والكويت والسعودية، وهي محاطة بسهول صحراوية ومشاعل حقول النفط، ولكن “مدينة البندقية الشرق أوسطية” خسرت بريقها، ولم يعد هناك سوى القليل من الأدلة على مجدها السابق، فيما تتراكم النفايات في قنوات المياه.
واشار التقرير الى ان المزارعين في منطقة البصرة يعتمدون على شط العرب، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات، وعلى قنوات مياهه العذبة من أجل الاستخدام المنزلي و ري اراضيهم، الا ان شط العرب أصبح يعاني من مستويات متزايدة من التلوث والملوحة، ويزداد جريانه ضعفا عاما تلو الآخر. 
ولفت التقرير الى تدهور الوضع المائي في البصرة بسبب مياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية، ما ألحق الضرر بنظامها البيئي الثري وجعل مياهها غير صالحة للشرب، مذكرا أن العام 2018، شهد تسجيل أكثر من 150 ألف حالة تسمم مرتبطة مياه شط العرب، ما أثار غضبا شعبيا واحتجاجات بسبب عدم توفر القدرة على الحصول على مياه الشرب. 
وذكر التقرير أن منظمة “العمل ضد الجوع” تنشط في العراق منذ العام 2013 لدعم المزارعين من خلال معالجة أزمة المياه والدعوة الى تطبيق ممارسات الزراعة الذكية مناخيا والتقنيات المبتكرة والزراعة المعتمدة على مياه قليلة، وذلك بالاضافة الى توزيع المعدات الزراعية والقسائم الغذائية على العائلات الزراعية، ومنع سوء التغذية من خلال برامج التدريب على التغذية.
وتابع التقرير ان “المياه أصبحت سلعة نادرة في العراق” بسبب عقود من الصراع، وسوء الإدارة البيئية، وعدم صيانة قنوات الري، والاعتماد على الجيران في موارد المياه وتسارع التغيير المناخي. 
واشار التقرير الى ان مستويات مياه نهري دجلة والفرات تراجعت بنسبة 30% منذ الثمانينيات، ومن المتوقع ان تنخفض بنسبة 50% اخرى بحلول العام 2030، وذلك أساسا بسبب بناء السدود في الدول المجاورة، مضيفا ان هذه الارقام “مثيرة للقلق، لأن الانهار تمثل اكثر من 90% من احتياطيات المياه العذبة في البلد”. 
واستعرض التقرير الأسباب الرئيسية قائلا ان استنزاف الموارد المائية يتفاقم بسبب استخدام المستهلكين غير المنظم للمياه، وممارسات الري كثيفة الاستخدام للمياه، بالاضافة الى ازمة المناخ. 
والى جانب ذلك، لفت التقرير الى موجات الحر التي تضرب العراق بشكل متزايد، والتي قد تصل الى 50 درجة مئوية، مشيرا الى انه من المتوقع أنه مع حلول العام 2050، أن يرتفع متوسط درجة الحرارة السنوية في البلد درجتين، بينما يتوقع تراجع متوسط هطول الأمطار سنويا بنسبة 9%، مشيرا إلى ان الطبقات العليا من التربة تصبح أكثر هشاشة، مما يزيد من احتمال حدوث العواصف الرملية والمزيد من التصحر.
وحذر التقرير من أن القطاع الزراعي، الذي يمثل وحده 60-80% من إجمالي استخدام الموارد المائية، قد تضرر بقوة من أزمة المياه، وهو ما يهدد الأمن الغذائي ويفاقم من اعتماد العراق على الواردات الغذائية في وقت انخفضت فيه قيمة الدينار العراقي بشكل كبير. 
وتناول التقرير قصة “ام علي” (اسمها صابرين) في قضاء القرنة في شمال البصرة، والتي تعمل على زراعة نبات السدر، المعروف أيضا باسم العناب، بالتعاون مع زوجها علي خلال فصل الشتاء، وتقطف التمور خلال أشهر الصيف، مشيرا الى ان منظمة “العمل ضد الجوع”، دعمت هذه العائلة بتقديم مواد زراعية مثل الاسمدة العضوية و أدوات البستنة لزراعة أراضيهم.
ولفت التقرير الى ان “ام علي” كانت مزارعة منذ طفولتها، وهي على غرار اختها، لم تلتحق بالمدرسة ابدا، وتشعر بالأسف لعدم قدرتها على القراءة او الكتابة، الا ان عملها في الارض يعني لها الكثير. 
ونقل التقرير عن ام علي قولها وهي تتطلع بفخر الى اشجار النخيل المغطاة بالغبار الاصفر، “بدأت ازرع مع عائلتي عندما كنت في التاسعة من عمري، وأشعر أن هذه الأرض هي مثل أحد أطفالي، وكأنها جزء مني”. 
واشار التقرير الى ان انخفاض تدفق المياه العذبة في نهري دجلة والفرات وانخفاض هطول الأمطار، أدى الى تسرب مياه البحر الى شط العرب، مما الحق الإضرار بالمحاصيل والحيوانات والناس، حيث تصبح المياه أكثر ملوحة ما يؤدي الى القضاء على المزروعات. 
واشار التقرير الى ان ام علي، وبينما هي بالقرب من قناة المياه العذبة عند منبع مزرعتها، فإنها تضع يدها على فمها وتبتسم وهي تتذوق الماء، وهي ممارسات يجب أن تقوم بها قبل فتح الصمامات التي تسمح بغمر الأرض، ففي حال كانت المياه شديدة الملوحة فعليها أن تصبر و تكرر فعلتها هذه في الاسبوع التالي، لان الري بالمياه المالحة يؤدي الى القضاء على النباتات. 
تقول صابرين: “عندما نزرع المحاصيل، تموت قبل نهاية الموسم بسبب الملوحة وعدم توفر المعدات الزراعية المناسبة”. 
ونقل التقرير عن ام علي قولها “ان الوضع تحسن مؤخرا، الا ان الفترة بين الشتاء والصيف تكون دائما اكثر صعوبة”، مضيفا ان “زوجي يعمل في مكان اخر لتعزيز دخلنا، لكنه غالبا ما يكون غير كاف لتلبية جميع احتياجاتنا، وخاصة النفقات الطبية”.
ولفت التقرير الى انه على المستوى الوطني، فان ازمة المياه ادت الى تراجع المحاصيل الزراعية، مما اثر على سبل عيش المزارعين، مضيفا ان اتحاد الجمعيات الزراعية العراقي، يقول ان 50% من المزارعين يعيشون بالفعل تحت خط الفقر، في حين اضطر 40% الى التخلي عن مهنتهم للعثور على مصادر دخل اخرى. 
وتابع التقرير ان بعض الاسر الزراعية مضطرة الى اختيار اساليب تكيف سلبية مثل اللجوء الى الديون، او شراء اغذية ارخص واقل جودة او تقليل عدد الوجبات يوميا، مشيرا الى انه في ظل ارتفاع اسعار المواد الغذائية، فان العديد من الأسر تضطر الى تناول كميات اقل من الطعام وتناول أطعمة أقل جودة.
الى ذلك، اعتبر التقرير ان هناك حاجة لاعادة النظر في الممارسات الزراعية للتعامل بشكل افضل مع شح المياه، مشيرا الى ان منظمة “العمل ضد الجوع” تعمل على تشجيع التغيير في ممارسات الري وتطوير القطاع الزراعي من اجل مواجهة تحديات ندرة المياه في العراق. ولفت الى ان المنظمة ساهمت في دعم مشروعات تجريبية في ثلاث مزارع في القرنة والدير في البصرة حيث جرى تدريب المزارعين وتجهيز حقولهم بما يسمى نظام الري بالتنقيط التفاعلي. 
ونقل التقرير عن المزارع عادل الذي يعيش مع اطفاله التسعة وزوجته في منطقة الدير، بعدما كان جنديا في الجيش، واصبح يعمل في الزراعة التي تعرضت لسلسلة من الصدمات المناخية، بما في ذلك تملح التربة في العام 2018 ثم فياضانات العام 2019، قوله انه “عندما ينخفض مستوى المياه، نشعر بالقلق لانه من المرجح ان يستمر الجفاف لفترة طويلة، ونتوقع الأسوأ حيث انه في بعض الأحيان لا تتوفر لدينا مياه للارض لمدة 10 ايام او اكثر، وعندما يحدث ذلك، فاننا نفكر بالطبع في التخلي عن الزراعة، لكن ليس لدينا اي شيء آخر نفعله”. 
وبحسب عادل، فان نظام الري بالتنقيط “يسهل ري المحاصيل ويعني انه يمكنني انتاج المزيد وافضل من قبل، حيث تضاعف انتاجي حاليا”. 
وختم التقرير بالتأكيد على ان منظمة “العمل ضد الجوع” ستواصل العمل في جنوب العراق، عبر دعم العائلات العاملة بالزراعة من خلال تعزيز ادارة المياه وتعزيز سبل العيش المستدامة للحد من الآثار المتعددة للتغيير المناخي، مشيرا الى انه خلال العام 2023، فان 4,906 شخصا استفادوا من برامج المنظمة المتعلقة بالأمن الغذائي وسبل العيش و36,714 شخصا استفادوا من برامج المياه والنظافة والصرف الصحي في العراق.
و”العمل ضد الجوع” الإنسانية، منظمة دولية غير حكومية تعمل على مكافحة الجوع وتحقيق الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، تأسست في عام 1961 ومقرها الرئيسي في روما.

Alkhutaa News

وكالة عراقية إخبارية مستقلة شاملة مملوكة إلى «مؤسسة الخطى للثقافة والإعلام» غير التجارية. معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1933

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى