هناك عوامل كثيرة تؤثر على شكل تضاريس كوكبنا وحركة قشرته وألواحه التكتونية، أحد هذه العوامل التي يمكن أن يصل تأثيرها إلى انهيار سلاسل جبلية كاملة أو ظهورها هي الجاذبية الأرضية.
وكما كان للجاذبية دور كبير في تكوين كوكب الأرض كما يعتقد العلماء، كانت هي السبب في تجمع المواد حول كتلة الغبار والصخور المتنامية لتشكل في النهاية كوكبنا الذي نحيا فوقه، فهي لا تزال تلعب دورا وإن كان خفيا في تحديد شكل تضاريسه بحسب الدراسة الجديدة التي قام بها علماء جامعة “ستوني بروك” (Stony Brook University)، في نيويورك ونشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications).
ويشرح الباحثون في البيان الصحفي الذي نشرته جامعة “ستوني بروك” في السادس الشهر الجاري أن قوى الجذب والشد العميقة على طول الصدوع الزلزالية تؤدي إلى انهيار السلاسل الجبلية وانكشاف القشرة الوسطية-السفلية اللينة من الصخور، وهي منطقة من القشرة الأرضية ذات درجات حرارة عالية تصل إلى 400 درجة مئوية وبالتالي فإن صخورها ذات لزوجة عالية، وكانت على بعد 15 ميلا (24 كيلومترا) تحت السطح يوما ما، وتسمى “مجمعات النواة المتحولة”.
نمذجة حاسوبية
وقام الفريق بنمذجة حاسوبية لمحاولة فهم التغيرات التي حدثت في منطقة فينيكس ولاس فيغاس في الولايات المتحدة، ووجدوا أن مجمعات النواة هذه ما هي إلا الآثار الأحفورية للسلاسل الجبلية السابقة في غرب الولايات المتحدة التي احتلت مناطق حول فينيكس ولاس فيغاس، وأنها نشأت نتيجة انهيار سلسلة جبلية مدعومة بجذر قشري سميك.
وتتشكل الجذور القشرية أسفل الجبل عندما تتسلل القشرة القارية الخفيفة نسبيا (الأقل كثافة) وتلتصق بأسفل الوشاح الأثقل (الأكثر كثافة). وأوضح الباحثون أن هذه الأسطح الجبلية السميكة يمكن أن تنهار، مما يؤدي إلى تشويه الطبقات المتباينة من القشرة أدناها وذلك عندما تضعف بفعل عوامل مثل الحرارة وحركة السوائل وذوبان الصخور.
وهذا الانهيار يكشف سطح مجمعات النواة المتحولة الـ “مقببة لأعلى” والتي يمكن رؤية آثار تشكيلها المضطرب في الصخور المشوهة المعروفة باسم “مايلونيت” Mylonites.
ويوضح الباحثون أن النمذجة أظهرت “أن قوى الجاذبية الناتجة عن التضاريس وجذور القشرة الأرضية تتسبب في تدفق نمطي تصاعدي للقشرة الوسطية-السفلية اللينة”.
يأمل الفريق أن يساعد هذا البحث على فهم المناطق الجبلية الأخرى حول العالم (نيتشر كوميونيكيشنز)
دراسات متصلة
وبحسب تقرير لموقع “ساينس ألرت” (Science Alert) فإن هذا البحث يعتمد على دراستين سابقتين وعلى صلة بنفس الفريق من الباحثين.
ففي دراسة أجريت عام 2022، قام الفريق بنمذجة المنطقة نفسها من جنوب غرب الولايات المتحدة، مما يوضح كيف كانت تبدو قبل وأثناء وبعد مجمعات النواة المتحولة، وربط الحركة التكتونية بتحولات المناخ، وقبل ذلك فقد أظهرت دراسة عام 2021 للمجموعة نفسها كيف تتحد قوى الأرض العميقة مع المناخ لتؤثر على تنوع الثدييات والأنواع الموجودة في السجل الأحفوري.
ويذكر الباحثون أيضا -في البيان الصحفي- أن هذا البحث قد أظهر أن الذروة الرئيسية في تنوع الثدييات يمكن ربطها إحصائيا بالذروة في الانهيار الممتد للسلاسل الجبلية القديمة، وبالتالي فإن هذه الدراسة التعاونية هي الأولى من نوعها لتحديد كيفية تضافر قوى الأرض العميقة مع المناخ للتأثير على المناظر الطبيعية والتأثير على تنوع الثدييات وتشتت الأنواع الموجودة في السجل الأحفوري.
ويأمل الفريق أن يساعد هذا البحث على فهم المناطق الجبلية الأخرى حول العالم حيث كانت جذور القشرة سميكة وانهارت جزئيا، وبالتالي فهم أفضل لتاريخ الأرض والتنبؤ بكيفية استمرار جيولوجيتها في التطور.